سورة آل عمران - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


أي: طائفة من اليهود {يلوون} أي: يحرّفون، ويعدلون به عن القصد، وأصل الليّ: الميل، يقول لوى برأسه: إذا أماله، وقريء: {يلووّن} بالتشديد، و{يلون} بقلب الواو همزة، ثم تخفيفها بالحذف، والضمير في قوله: {لِتَحْسَبُوهُ} يعود إلى ما دلّ عليه {يَلْوُونَ} وهو: المحرّف الذي جاءوا به. قوله: {وَمَا هُوَ مِنَ الكتاب} جملة حالية، وكذلك قوله: {وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله} وكذلك قوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: أنهم كاذبون مفترون.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم} قال: هم اليهود. كانوا يزيدون في الكتاب ما لم ينزل الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: يحرّفونه.


أي: ما كان ينبغي، ولا يستقيم لبشر أن يقول هذه المقالة، وهو متصف بتلك الصفة. وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى عليه السلام ما لم يصح عنه، ولا ينبغي أن يقوله. والحكم: الفهم والعلم. قوله: {ولكن كُونُواْ} أي: ولكن يقول النبي كونوا ربانيين. والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف، والنون للمبالغة، كما يقال لعظيم اللحية لحياني، ولعظيم الجمة جماني، ولغليظ الرقبة رقباني، قيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، فكأنه يقتدي بالربّ سبحانه في تيسير الأمور.
وقال المبرد: الربانيون: أرباب العلم، واحدهم رباني، من قوله: ربه يربه، فهو ربان: إذا دبره، وأصلحه، والياء للنسب، فمعنى الرباني: العالم بدين الربّ القويّ التمسك بطاعة الله. وقيل العالم الحكيم. قوله: {بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ} أي بسبب كونكم عالمين، أي: كونوا ربانيين بهذا السبب، فإن حصول العلم للإنسان، والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم، وقوّة التمسك بطاعة الله. وقرأ ابن عباس، وأهل الكوفة: {بما كنتم تعلمون} بالتشديد. وقرأ أبو عمرو، وأهل المدينة بالتخفيف، واختار القراءة الأولى أبو عبيد. قال: لأنها لجمع المعنيين. قال مكي: التشديد أبلغ؛ لأن العالم قد يكون عالماً غير معلم، فالتشديد يدل على العلم، والتعليم، والتخفيف إنما يدل على العلم فقط. واختار القراءة الثانية أبو حاتم. قال أبو عمرو: وتصديقها {تدرسون} بالتخفيف دون التشديد. انتهى. والحاصل أن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم، والتعليم، وهو أن يكون مع ذلك مخلصاً، أو حكيماً، أو حليماً حتى تظهر السببية، ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس، فيكون المعنى كونوا معلمين بسبب كونكم علماء، وبسبب كونكم تدرسون العلم. وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل، وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه، والإخلاص لله سبحانه.
قوله: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَابًا} بالنصب عطفاً على {ثم يقول} {ولا} مزيدة لتأكيد النفي، أي: ليس له أن يأمر بعبادة نفسه، ولا يأمر باتخاذ الملائكة، والنبيين أرباباً بل ينتهي عنه، ويجوز عطفه على أن يؤتيه، أي: ما كان لبشر أن يأمركم بأن تتخذوا الملائكة، والنبيين أرباباً، وبالنصب قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف، والقطع من الكلام الأوّل، أي: ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة، والنبيين أرباباً، ويؤيده أن في مصحف ابن مسعود، {ولن يأمركم}. والهمز في قوله: {أَيَأْمُرُكُم} لإنكار ما نفي عن البشر. وقوله: {بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} استدل به من قال: إن سبب نزول الآية استئذان من استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين في أن يسجدوا له.
وقد أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود، والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك، كما تعبد النصارى عيسى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن نعبد غير الله، أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني» فأنزل الله في ذلك: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، عن الحسن قال: بلغني أن رجلاً قال: يا رسول الله نسلم عليك، كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله، فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله» فأنزل الله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {ربانيين} قال: فقهاء علماء.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه قال: حكماء علماء حلماء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه قال: علماء فقهاء.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن مسعود قال: حكماء علماء.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي رزين في قوله: {وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} قال: مذاكرة الفقه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن جريج في قوله: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة} قال: ولا يأمرهم النبي.


قد اختلف في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} فقال سعيد بن جبير، وقتادة، وطاوس، والحسن، والسديّ إنه أخذ الله ميثاق الأنبياء: أن يصدّق بعضهم بعضاً بالإيمان، ويأمر بعضهم بعضاً بالكتاب إن بذلك، فهذا معنى النصرة له، والإيمان به، وهو ظاهر الآية، فحاصله أن الله أخذ ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر، وينصره، وقال الكسائي: يجوز أن يكون معنى: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} بمعنى وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين، ويؤيده قراءة ابن مسعود: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} وقيل: في الكلام حذف. والمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين؛ لتعلمن الناس لما جاءكم من كتاب، وحكمة، ولتأخذن على الناس أن يؤمنوا، ودلّ على هذا الحذف قوله: {وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِى} و{ما} في قوله: {لما آتيتكم} بمعنى الذي. قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم} فقال: {ما} بمعنى الذي. قال النحاس: التقدير في قول الخليل الذي آتيتكموه، ثم حذفت الهاء لطول الاسم، واللام لام الابتداء، وبهذا قال الأخفش، وتكون ما في محل رفع على الابتداء، وخبرها من كتاب، وحكمة.
وقوله: {ثُمَّ جَاءكُمْ} وما بعده جملة معطوفة على الصلة، والعائد محذوف أي: مصدّق به.
وقال المبرد، والزجاج، والكسائي: {ما} شرطية دخلت عليها لام التحقيق، كما تدخل على {أن} و{لتؤمنن به} جواب القسم الذي هو أخذ الميثاق، إذ هو بمنزلة الاستحلاف، كما تقول: أخذت ميثاقك، لتفعلنّ كذا، وهو: سادّ مسدّ الجزاء.
وقال الكسائي: إن الجزاء قوله: {فَمَنْ تولى}.
وقال في الكشاف: إن اللام في قوله: {لما آتيتكم} لام التوطئة، واللام في قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ} جواب القسم، {وما} يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، {ولتؤمنن} سادّ مسدّ جواب القسم، والشرط جميعاً، وأن تكون موصولة بمعنى الذي آتيتكموه لتؤمنن به. انتهى، وقرأ حمزة: {لما آتيتكم} بكسر اللام {وما} بمعنى الذي، وهي متعلقة بأخذ. وقرأ أهل المدينة: {آتيناكم} على التعظيم. وقرأ الباقون: {آتيتكم} على التوحيد، وقيل: إن {ما} في قراءة من قرأ بكسر اللام مصدرية. ومعناه: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب، والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدّق لما معكم، واللام لام التعليل، أي: لأجل ذلك أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتؤمنن به.
قوله: {أَقْرَرْتُمْ} هو من الإقرار. والإصر في اللغة: الثقل، سمي العهد إصراً لما فيه من التشديد. والمعنى: وأخذتم على ذلك عهدي. قوله: {قَالُواْ أَقْرَرْنَا} جملة استئنافية، كأنه قيل: ماذا قالوا عند ذلك؟ فقيل قالوا أقررنا، وإنما لم يذكر أحدهم الإصر اكتفاء بذلك.
قوله: {قَالَ فاشهدوا} أي: قال الله سبحانه فاشهدوا، أي: ليشهد بعضهم على بعض: {وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشاهدين} أي: وأنا على إقراركم، وشهادة بعضكم على بعض من الشاهدين. قوله: {فَمَنْ تولى} أي: أعرض عما ذكر بعد ذلك الميثاق {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} أي: الخارجون عن الطاعة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن أصحاب عبد الله يقرأون: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق الذين أُوتُواْ الكتاب لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كتاب وَحِكْمَةٍ} ونحن نقرأ: {ميثاق النبيين} فقال ابن عباس: إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن طاوس في الآية، قال: {أَخَذَ الله ميثاق النبيين} أن يصدق بعضهم بعضاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} قال: هي خطأ من الكتاب، وهي في قراءة ابن مسعود: {ميثاق الذين أوتوا الكتاب} وأخرج ابن جرير، عن عليّ قال: لم يبعث الله نبياً آدم، فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث، وهو حيّ ليؤمنن به، ولينصرنه، ويأمره، فيأخذ العهد على قومه، ثم تلا: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي في الآية نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس نحوه.
وأخرج ابن جرير، من طريق العوفي عنه في قوله: {إِصْرِى} قال: عهدي.
وأخرج ابن جرير، عن عليّ في قوله: {قَالَ فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشاهدين} عليكم وعليهم {فَمَنْ تولى} عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} هم العاصون في الكفر.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10